ان جميع الاكتشافات في علوم الهندسة الوراثية الحديثة وما توصل إليه علماء البيولوجيا في مختلف المختبرات المرموقة في العالم تشير لوجود علاقة ما بين العيوب في الجينات والإصابة بمختلف أنواع السرطان والأورام الخبيثة في المعدة والأمعاء والمخ والثدي والرئة وغيرها.
وكان لابد لهذه الاكتشافات أن تأخذ صداها في المؤسسة الطبية العالمية، العلمية منها والتجارية لكي تتآزر اكتشافات المجموعات العلمية المختلفة ولكي لا تتحول إلى نوع من التنافس التجاري في العلوم لدر الأموال من ملايين المرضى دون التوقف وطرح طرق جديدة في التعامل مع هذه الأمراض، فالثورة البيولوجية ولاسيما الوراثية وما تفعله اكتشافات الجينوم، بما في ذلك تكريم الأخير بجائزة نوبل للطب ينبغي أن تفيد الإنسانية وتدخل في غرف الجراحة والتشخيص، ولا تقتصر على النشر في الدوريات العلمية ومن ثم تغلق المستشفيات الكبرى أبوابها بوجه هذه الفتوحات ولكي تتوقف حالة الاسترزاق من المرضى وتصل الاكتشافات على أجسادهم لكي تشفيها بدلا من العلل التي تسكنها مليارات الدولارات سنويا والتي تصرف من أجل إراحة موتى جدد.
جاذزة نوبل
في غضون إعدادنا لهذه المادة، وردنا فوز الأمير كيين أندرو فاير وكراغ ميللو بجائزة نوبل للطب لاكتشافهما آلية للسيطرة على انتقال المعلومات الجينية، بحيث تبقى الجينات تحت السيطرة وتساهم في الدفاع ضد الالتهابات الفيروسية، وقد يؤدي عمل العالمين الى التوصل الى علاجات جديدة للالتهابات والسرطان.
والعالمان اكتشفا ظاهرة تدعى 'تدخل آر إن آي' وهي التي تسيطر على كيفية ظهور الجينات، الأمر الذي يفتح الاحتمالات أمام امكان تعطيل الجينات التي تؤذي الجسد، ولعل هذا 'التدخل' يساهم في تحريك دفاع الجسد ضد الالتهاب وبالسيطرة على الجينات غير المستقرة.
ولعل هذا الموضوع سيفتح بعض آفاق هذا العلم المثير.
العلماء حللوا عينات من الحمض النووي للكثير من المصابين بالسرطان وتمكنوا من العثور على العيب في أحد الجينات بغض النظر عن نسبة وجوده، هذه التغيرات جعلت الجين أكثر نشاطا وتسبب في تغيير طبيعة الخلايا مما أدى إلى الإصابة بالسرطان.
فهذا الجين مسؤول عن إنتاج إنزيمات تقوم بتعديل جزيئات الدهون وبحسب قول الدكتور سايمون فنسنت من معهد أبحاث السرطان في بريطانيا: 'يلعب هذا الجين دورا مهما في السيطرة على خلايا الجسم البشري خلال نموها وانقسامها. وأظهر هذا البحث للمرة الأولى انه عندما تحدث عيوب في الجينات وتحولها عن الطريق التي تعمل بها يمكن أن يقود ذلك للإصابة بالسرطان. نحن نعلم الآن مكان العيب، وربما يمكننا أن نعلم السبب وراء ذلك. بل ربما أمكننا العثور على أدوية جديدة تعيد الجين إلى عمله الطبيعي وتساعد في علاج السرطان'.
جين السرطان
ودراسة جديدة كشفت أن مركبا وراثيا (جينيا) هو المسؤول عن انتشار مرض السرطان. وعلى الرغم من اقتصار هذه الدراسة على جينات ذباب الفاكهة، فإن علماء من جامعة يال الاميركية قالوا إن جينات مماثلة يمكن أن تكون موجودة لدى البشر. وأفادت الدراسة التي نشرت في دورية ساينس بأنه سيأتي يوم يتمكن فيه العلماء من منع انتشار السرطان عن طريق استهداف احد الجينات المسؤولة عن انتشار السرطان في الجسم. ويؤكد العلماء أن الوصول إلى سبل لمنع انتشار الورم سيساعد في إنقاذ حياة العديد من المرضى. ويعتقد الكثيرون أن انتشار الورم في أنحاء الجسم يرجع لأسباب جينية، حيث تقوم الجينات المتغيرة في خلايا الورم بالهروب من أنظمة الحماية الطبيعية بالجسم لتنتقل إلى أجزاء أخرى.
وكان فريق بحث آخر قد كشف بالفعل عن جين يدعىRas v12 يوجد عند الذباب والبشر. ويعتقد العلماء أن هذا الجين يلعب، في حال تغيره، دورا بارزا في نمو الورم.
وقام العلماء الاميركيون بإجراء برنامج فحص وضعوا خلاله الذباب الذي يحتوي على جينRas v12 ومعه جينات أخرى رئيسية بهدف التوصل إلى مجموعة الجينات التي تؤدي إلى انتشار أورام السرطان. وتوصل العلماء إلى عدد من الجينات التي عادة ما تلعب دورا في عمل الخلية، وتؤدي إلى انتشار ورم السرطان في حال تعطيلها.
وينبغي أن تتم المسألة على النحو التالي : كلما ازداد إدراك العلماء للجينات التي يحتمل أن تكون سببا في انتشار السرطان، ازدادت فرصة التوصل إلى سبل لإعاقتها. ويعتقد الباحثون انه في هذه الحالة قد يكون هناك منفذ كيماوي داخل الخلية يمكن أن يؤثر في عمل العديد من الجينات. وفي النتيجة : لماذا لم يتمكنوا من التوصل إلى عقار يكون من شأنه تنشيط هذا المنفذ.
غير أن الدكتور وين جيانغ من كلية الطب بجامعة ويلز قال إن العلماء الذين اجروا هذه الدراسة وضعوا نموذجا جديدا للبحث يعتمد على دراسة التغير الجيني خلال مرحلة انتشار المرض وما قبلها.
جين سرطاني آخر
وخبراء آخرون اكتشفوا جينا في واحد من بين ثمانية أشخاص ربما يزيد بشكل كبير من الاصابة بسرطان الثدي وسرطان المبيض. وفي حالة التأكد من هذه النتائج فإن جينة تي جي اف بي آر1 6A ستصبح أكثر الجينات الناقلة للسرطان شيوعا حتى الآن.
هذا ما خلص إليه باحثون بمستشفى نورثويسترن ميموريال في شيكاغو وأن ناقلات المرض تزيد هي الأخرى من خطر الاصابة بسرطان القولون. وربما تقود هذه النتائج التي نشرتها مجلة علم الأورام الاكلينيكية كلينيكال اونكولوجي' إلى اختبارات أفضل لمن هم عرضة لخطر الاصابة بهذه الأمراض. وحدد الباحثون عددا من الجينات التي ربما تحمل خطرا متزايدا للاصابة بالسرطان - ومن أكثرها شهرة بي آر سي ايه1 و'جينات2' والتي يعتقد أنها مسؤولة عن إصابة ما بين 5 في المائة إلى 10 في المائة بسرطان الثدي. ويقترح باحثو نورثويسترن أن الجين الذي اكتشفوه قد يلعب دورا في حوالي 7 في المائة من جميع حالات سرطان الثدي و 11 في المائة من جميع حالات سرطان المبيض وأكثر من 5 في المائة من إصابات سرطان القولون. وربما يزيد حمل الشخص لهذا الجين من مخاطر الاصابة بسرطان الثدي بمعدل النصف تقريبا.
العلاج الجيني
كشفت دراسة جديدة أن علاجا بالجينات يحقن في الأورام السرطانية يؤدي إلى انحسار الكثير من هذه الأورام أو اختفاء بعضها كليا. وتعتبر الدراسة التي نشرت في مجلة نيتشر مديسين الطبية مشجعة لأولئك الذين يعتقدون أن بالإمكان استخدام مثل هذا العلاج في مكافحة أنواع السرطان المختلفة. وقد عولج ثلاثون مريضا من بريطانيا والولايات المتحدة كانوا يعانون من سرطان في الرقبة والرأس، من الذين شخصت إصاباتهم بأنها قاتلة، عولجوا بفيروس معدل يدعى 'أو أن أكس15'.الذي يسبب نوعا من الزكام
وقد صاحب هذا العلاج عملية العلاج الكيمياوي المعتادة، وكانت النتائج النهائية أفضل من تلك النتائج التي تحصل عند استخدام العلاج الكيماوي وحده. وكانت النتيجة انحسار حجم الأورام السرطانية عند خمسة وعشرين مريضا من المرضى الثلاثين، ولم تنم الأورام إلا عند 17 في المئة منهم، بينما اختفت الأورام كليا عند ثمانية من المرضى ولم تعد حتى وقت اكتمال الدراسة، ويعتبر هذا تحسنا بالمقارنة مع الاختبارات السابقة التي استخدم فيها العلاج الجيني، والتي عادت الأورام السرطانية فيها إلى النمو سرعان ما انتهى العلاج.
العلاج الوراثي للسرطان
ربما تتمكن بعض الخلايا من التخلص من الجزيئات التي تساعد على إتلافها مما يزيد من قدرتها على المقاومة، وتعمل عملية التخلص من الجزيئات هذه على وقف امتصاص الأدوية بشكل كلي في غشاء البطن الداخلي أو منعها من المرور من الدورة [size=16]الدموية إلى المناطق التي تحتوي على خلايا سرطانية. وهذه العملية تجعل العلاج أقل تأثيرا في أحسن الأحوال، وفي أسوأ الأحوال تجعل تأثيره منعدما. وسيكون من الممكن، نظريا على الأقل، إبطال عمل البروتينات التي تمكن الخلايا من الدفاع عن نفسها، لكن الأطباء قلقون من أن إبطال عمل البروتينات سوف يؤثر سلبا على وظائف الجسم الحيوية الأخرى.
تحدي الجينات
سيواجه العلماء تحديا صعبا وهو تطوير الجين الضروري لهذا النوع من العلاج كي يستهدفوا به الأورام السرطانية، لاسيما انه مع تزايد المعلومات عن هذه البروتينات وتحديد المزيد منها فإننا نكتشف المزيد من الفرص لحل مشكلة مقاومة الأدوية في العلاج الكيميائي. فمجال الأبحاث هذا هو مجال واعد وقد يقدم على الأمد البعيد أملا للكثير من المرضى الذين لا تستجيب الأورام السرطانية عندهم للعلاج الكيميائي.
ومع ذلك فان العلماء يدرسون الآن العوامل المهمة الأخرى الداخلة في تحديد المقاومة للعلاج الكيميائي، وأي الجينات التي تقاوم العلاج بشدة في الأورام السرطانية،ويأملون أن تمهد هذه الأبحاث لإيجاد علاج محدد للسرطان
تقدم علمي
ومن ضمن تطبيقات الدراسة الجينية تجاه التخلي عن العلاج الكيميائي، نجح فريق من العلماء البريطانيين في اكتشاف علاج جديد لسرطان القولون يمكن وصفه بأنه أكبر انجاز في هذا المجال ومختصره القدرة على مهاجمة الخلايا السرطانية دون تدمير الخلايا الصحية. حيث اكتشف باحثون من جامعتي ادنبرة وكارديف أن الجينام بي دي 2" عبارة عن مكون حيوي للخلايا السرطانية، لكنه عديم القيمة بالنسبة للخلايا الصحية. لذلك من الممكن إغلاق الطريق أمام طرق العلاج الخطيرة مثل العلاج بالأشعة وذلك إذا ما عبرت شركة أدوية واحدة بالفعل عن اهتمامها بتطوير عقار مضاد للجينام بي دي 2".
خداع السرطان
المجموعة العلمية في جامعة غلاسكو البريطانية نجحت بدورها في تطوير علاج جيني للسرطان يرتكز على فكرة خداع الخلايا السرطانية ودفعها إلىا لانتحار. وتشكل التقنية العلاجية الجديدة، التي أثبتت فاعليتها في جميع أنواع السرطان إنجازا متوقعا في معترك التوصل إلى علاج لهذا المرض العصي. ويستهدف العلاج الجيني الخلايا السرطانية فقط دون أن يلحق أي أذى بالأنسجة السليمة. وتعمل التقنية الجديدة على خداع الخلية السرطانية ودفعها إلى تفعيل أحد الجينات الذي يتولى عملية تدميرها. ففي 80 في المائة من أنواع السرطان ينشط الجين telomerase للعمل على ضمان بقاء الخلية حية وانقسامها لفترة تتجاوز عمرها. لكن باحثي فريق الدكتورة كيث ربطوا نسخة من العامل المنشط لهذا الجين بجين آخر اسمه nitroreductase. والنتيجة هي قيام الخلية بتنشيط الجين الأخير الذي يعد علاجا فعالا للسرطان، ظانة أنه جين telomerase مما يقودها إلى الهلاك. أما أسلوب عمل nitroreductase فيستند إلى تحويله عقار CB1954 الذي لا يسبب أذى في الأحوال الطبيعية إلى مادة سامة تقتل الخلايا السرطانية بسرعة. لكن الخلايا غير السرطانية تظل عاجزة عن تفعيل جين telomerase وبالتالي لا يفعل العلاج الجيني مفعوله مما يحافظ على حياة الخلايا السليمة.
الصفات الوراثية والسرطان
وثمة سمة جينية يمكن أن تسهل تمييز مرضى سرطان الرئة الذين سيستجيبون بشكل أفضل لعلاج كيماوي جديد للمرض. وكان معهد بوسطن دانا - فاربر للسرطان قد قام بدراسة الدواء الذي يعترض الرسائل التي تتلقاها الخلايا وتؤدي إلى نمو السرطان فيها، وهو دواء يستخدم في علاج أحد أنواع هذا المرض الذي يعرف بسرطان الرئة ذي الخلايا غير الصغيرة. وهذا الشكل من سرطان الرئة يصعب علاجه، لكنه شكل غالب على سرطان الرئة في بريطانيا. وقال العلماء، الذين نشروا نتيجة أبحاثهم في مجلة ساينس العلمية، إنهم يعملون الآن على تطوير اختبار من شأنه أن يرصد العيوب الجينية. وكان العلماء يحاولون اكتشاف السبب وراء استجابة الأورام السرطانية عند بعض المرضى للعلاج بسرعة كبيرة نتيجة لعلاجهم بهذا الدواء، الذي يسمى أريسا، بينما لا يستجيب بعض المرضى الآخرين. واكتشف فريق البحث من مركز السرطان بمستشفى ماساشوستس العام أن هؤلاء الذين يظهرون استجابة عالية للعلاج يحتمل أنهم يحملون أحد الجينات التي تنشط نمو الأورام في أجسامهم. وهذا الجين يفرز بروتينا يعرف باسم، مستقبل عامل النمو الجلدي.
وهكذا فان البحوث الأوسع نطاقا ربطت بين تحليل الحمض النووي والورم السرطاني وتبين في معظمها أنه يحتوي الجين نفسه الذي يعمل على تحول الخلايا إلى خلايا سرطانية، ولعل هذا الكشف سيساعد بشكل كبير على تحسين علاج العديد من مرضى السرطان، كما انه خطوة مهمة على طريق العلاج الجزيئي لمرض السرطان وهذا ما تأمله البشرية في النهاية.
أول جراحة في التاريخ في ظروف انعدام الجاذبية
نفذ أطباء فرنسيون بقيادة رئيس وحدة الجراحة في مستشفى جامعة بوردويكس الدكتور دومينيك مارتن، بنجاح أول عملية جراحية لإنسان على متن طائرة بعيدا عن تأثير الجاذبية. فيما كان المريض المتطوع يقبع في خيمة من البلاستك في الطائرة التي كانت تنفذ سلسلة من المناورات لخلق حالة دون جاذبية. أما أدوات الجراحة فكانت ممغنطة بحيث تلتصق بطاولة الجراحين الذين كانوا يجرون العملية وهم طائرون.
وغاية هذه التجربة المثيرة هي دراسة إمكانية إجراء عمليات جراحية في غضون التحليق الفضائي طويل الأمد وباستخدام الروبوت في المركبات الفضائية بعد تلقيه أوامر من المختصين في القواعد الأرضية.
وحسب التوقعات فقد أنجز هذا الفريق الطريف المأثرة بنجاح في غضون 11 دقيقة (في حالات انعدام الجاذبية لأن الطيران برمته استمر 3 ساعات) وحصل على خبرة جديدة تمكنه المرة القادمة من استئصال الزائدة بدلا من ورم بسيط في كتف المريض المتطوع البالغ من العمر 46 عاما