مشكلة التلوث لم تعد قاصرة على الدول الصناعية الكبرى بل باتت مشكلة حياتية على سطح كوكب الأرض
بدأ الإحساس بتهديد البيئة الطبيعية وأثرها المدمرة منذ أوائل القرن الميلادي الماضي. وقد سجلت البحوث واقعة خلال تلك الفترة تشير الى حجم هول الخسائر التى تصل الى حد المصائب.
أفرط الصيادون فى اصطياد حيوان "ثعلب البحر" من السواحل المواجهة لكاليفورنيا بأمريكا.ربما طمعا لمزيد من الفراء المطلوب فى الأسواق النسائية. ولأن ثعالب البحر كانت تتغذى على القنافذ البحرية , فان الأخيرة تزايدت أعدادها باطراد, ولكونها تتغذى على نوع من الأعشاب البحرية تحت الماء, فقد اختفت هذه الأعشاب من قاع البحر بسبب التهام القنافذ.
وبغيابها فقدت الأسماك غذاءها العشبي والملاذات التى كانت تضع فيها بيضها!
كانت النتيجة أن نفدت الأسماك..فأغلقت محال بيع السمك والمطاعم, بل ومصانع تعليب الأسماك..وعم البؤس الجميع.
هذا المثال لفقد عنصر واحد قد لا ينتبه إليه أحد وهو "ثعلب البحر", ماذا عن بقية العناصر أو تعدد العناصر التى تفقد دون أن ندرى أو حتى ندرى؟!
حول هذا الموضوع الهام صدر كتاب "دمار البيئة..دمار الإنسان" بسلسلة "كتاب العربي" التى تصدر عن مجلة العربي الكويتية. يقع الكتاب فى حوالى200صفحة, مقسما الى أربعة فصول.
"التلوث البيئي ومخاطره", "ايكولوجيا العالم", "تغيرات بيئية", "كيف تتسمم البيئة؟".
تناولت دراسات الفصل الأول المخاطر المتوقعة والتى وقعت بالفعل من جراء التلوث.فمن قائل أن الهواء يهدد وجودنا!. وقد وضح "محمود صفر" ذلك بأن الأرض استطاعت خلال ملايين السنين المحافظة على الجو نظيفا.. فالرياح تثبت الملوثات وتمزجها, والأمطار والثلوج تغسل الجو, والنباتات تمتص ثاني أكسيد الكربون وتطلق الأكسجين. إلا أنه مع الثورة الصناعية , وازدياد السكان..تلوث الهواء, نتيجة الدخان الأسود, وغازات كبريتية, وكانت أمراض الصدر والقلب والعيون.
إلا أن الكاتب يرى فى الطاقة الكهربية حلا بيئيا صحيا, ويحلم باستخدامها فى السيارات والمصانع والمنازل وغيرها.
وهذا الدكتور سمير رضوان يكتب حول "التلوث الخفي" ويعنى به الطاقة النووية, واستخداماتها سواء فى السلم أو الحرب. فقد انتهى زمن نظرية الردع النووي كفيلة بجعل هول المصيبة من استخدام القنبلة الذرية عائقا أو مانعا لاستخدامها..ذلك لان القائد الأخرق غير بعيد فى عالمنا, حتى فى البلد الصغيرة الذي يتشوق رؤسائها الى تصنيع القنبلة النووية.
أما واستخدام الطاقة الكثيفة مثل أشعة ألفا وبيتا جاما, وغيرها أصبح شائعا, فالخطر الخفي قائم. نظرا للتقدم التكنولوجي الآن فى إنتاج المواد المشعة , واستخدام العناصر المشعة . وربما حادثة المفاعل النووي "تشيرنوبيل" ليست ببعيدة, وهى ليست الأولى ولن تكون الأخيرة بالطبع. وربما يجدر الإشارة الى إحصاء يفيد بأن نصف مليون إنسان ماتوا بالسرطان منذ الحرب العالمية الثانية فقط, من جراء التجارب النووية وحدها!
"حتى الكهرباء تلوث البيئة", ليست مقولة اجتهادية, هي عنوان الدراسة المنشورة بقلم "د.حازم صابوني". حيث تتعرض الكائنات الحية على الأرض بحقول كهربائية ومغنطيسية وبشكل دائم, إلا أن تأثيرها مازال سلبيا لاعتبارات دور الغلاف الجوى الذي يحمى التأثير الضار منها وهى المنطلقة من الانفجارات الشمسية . ومع المزيد من الاستخدامات للطاقة الكهربية تجدد السؤال حول خطورتها. والإحصاءات مازالت لا تؤكد بالقبول أو النفي لمضارها .إلا أن التجارب المخبرية بالمعمل تؤكد الضرر الناتج عنها!
ومع ذلك تبقى بعض الرؤى المتفائلة فى إطار فهم الممكن فى مواجهة الخطر البيئي, وهو ما تبناه د.عواد الجدي. لبغض أنواع النباتات المعمرة فعالية ف مواجهة التلوث. فالأشجار ذات الأوراق الموبرة كالصنوبر والسرو تستطيع احتجاز كميات من الملوثات الهوائية . أن النباتات المختلفة تمتص غاز ثاني أكسيد الكبريت بدرجات متفاوتة.. وأيضا أول أكسيد الكربون..واكاسيد النيتروجين. أما نبات "الفاسول" فلهو قدرة على امتصاص الأملاح من الأرض والشوارد الكيماوية. كما يبشر الكاتب بوجود بعض النباتات لها القدرة على امتصاص ذرات الغبار النووي أو ترسيبها.
وهناك دراسات حول الواقع التلوثي فى الفصل الثاني من الكتاب. ففي دراسة د.أحمد مستجير حول "الأوزون" ذلك الغاز المكون من جزئيات ثلاثية للأكسجين, ولأن الغاز غير الضار يتكون من جزئيات ثنائية من الأكسجين .. ممكن أن يتحول الى الصورة الضارة نتيجة أشعة الشمس.. ثم يترسب فى طبقة غلاف الجو العليا.
وطبقة الأوزون تلك تمنع مرور الأشعة فوق البنفسجية الكونية , فان سلامتها من الأمور الهامة. لكن الطائرات الأسرع من الصوت ومركبات الفريونات الكيماوية..تلك الغازات الخاملة تصعد الى الطبقات العليا حيث تتحلل ويصدر عنها غاز الكلور الذي يعمل عمل الحفار فى طبقة الأوزون, بفضل تحلل الجزيء الثلاثي الى ثنائي الأكسجين, والنتيجة ثقب أو تحلل تلك الطبقة.
مع ذلك لا يتشاءم د.مستجير لأن قياسات الأشعة فوق البنفسجية توضح أن تأثيرها ضئيل لضآلة نسبتها على سطح الأرض, كما أن مركبات الفريونات قلت الى معدلات كبيرة جدا.
كما أن د.عدنان الظاهر يركز فى دراسته حول التأثير الضار للأشعة المختلفة (النووية). فيرى أن الضرر يتوقف على عدة عوامل , منها عمر الإنسان, عدد سنين التعرض لتلك الأشعة, نوع الاشعاع نفسه..الخ. أما الأضرار نفسها فيمكن حصرها فى أنواع السرطانات المختلفة, مع اضطراب فى الرؤية, وغيرها.
وهذا د.عادل عوض يشير الى أهمية البحار فى التخلص من النفايات. أما النفايات الخاصة بالصرف الصحي فهي غير ضارة على أن يتم معالجتها بطريقة مناسبة قبل إلقائها بالبحر. ثم النفايات الصناعية التى هي خليط من الكيماويات والمواد المشعة فيمتنع إلقائها بالبحر.بينما يركز "سيف الدين الأتاسى" على فهم المجال الحيوي من الكرة الأرضية , مع وجوب فهم هذه الطبقة التى تتفاعل فيها كل الكائنات وتتفاعل معا. ويرى أن الأزمة البيئية تعود الى عدم فهم طبيعة التكامل بين كل مكونات البيئة..لذا يلزم استقرار التنوع البيئي مع المحافظة على الموارد المتجددة .وهو ما جعل البعض ينظر الى شعار الثورة الخضار أضر بالبيئة ضررا حقيقيا, وطالب البعض بالرجوع الى الفلاح وتعلم طرق الزراعة التقليدية.
وفى إطار ملاحظة تغييرات بيئوية وتأملها فى الفصل الثالث, يشير د.محمد وليد الى أن المناخ يدافع عن توازنه, وأن أشكال الحياة على سطح الأرض لا تطيق كل القدر المختزل من طاقة الشمس, يكفى 70% من طاقة الشمس. وأن هناك من النسب والكميات من الطاقة تتبدل من مكان ما الى آخر فوق سطح الكرة الأرضية.
كما يثير د.رشدي سعيد فى دراسته "كوكبنا يسخن أم يبرد" موضوع تأثير الإنسان على مناخ الأرض. ويرى أن الكثير من أسرار الكون حولنا لم يكتشفها الإنسان, وانه من الواجب التعرف عليها قبل البدء فى التعرف على قوانين البيئة والحكم لها أو عليها. إلا أنه يرى أن البداية الواجبة للإقلال من تأثير الزيادة المطردة للغازات الضارة على سطح الأرض, هو البحث عن مستقبل عمليات التصنيع المكثف, ومستقبل أنماط الاستهلاك الحالية خصوصا فى شعوب العالم الصناعي المتقدم.
ثم تقدم دراسة د.محمد الشهاوى رؤية هادئة فى دراسته"مستقبلنا رهن التسخين" محاولة للبحث عن حلول بيئية بالاقتراب من الرؤية المباشرة للموضوع. فيوضح من البداية وجود نوعين من العوامل المسببة لتغير المناخ :أولهما لا حيلة لنا فيه وليس لنا عليه سلطان لأنه مرتبط بتغيرات دورية فى مقدار الأشعة الشمسية الساقطة على الأرض, وغير ذلك من العوامل الفلكية.. بالإضافة الى البراكين وقوة نشاطها.
أما العامل الثاني الذي يؤثر فى تغير المناخ فهو راجع الى عبث الإنسان سواء بإفساده مكونات الغلاف الجوى بما ينتجه من أنواع الملوثات المتعددة , أو بإزالة مساحات كبيرة من الغابات الاستوائية وتقطيع كثير من الأشجار أو بتعرية سطح الأرض من النباتات.
مع مراعاة التعرف على أن متوسط دراجة حرارة الأرض زادت بمقدار نصف درجة مئوية خلال المائة عام الماضية , وخصوصا العشر سنين الأخيرة منها.. وهو ما استتبع الكثير من مظاهر التغييرات المناخية.
لكن "هل يمكننا تعديل الطقس؟" انه عنوان دراسة مهندس محمد حمدي. ويقول أن المعرفة الفيزيائية للسحب ساهمت فى تعديل الطقس وإنشاء معايير جديدة لتقييم تجارب بذر السحب. ومن هنا تم استخدام الطائرات المزودة بأجهزة القياس الفيزيقي للجسيمات المجهرية وأجهزة قياس حركة الهواء والرادار والتوابع الصناعية , ومقاييس إشعاع الموجات الدقيقة والشبكات المطرية.
لقد ظهرت مبادئ التأثير على السحب بالطرق الحديثة فى أعمال أحد العلماء فى آواخر الثلاثينيات من القرن الماضي. مع العلم أن الأردن أجرى بعض تلك التجارب , استخدموا: نثر الغيوم بمحلول يوديد الفضة, أو يوديد الصوديوم بالطائرات. أو تثبيت المولدات الأرضية فى مواقع مناسبة.
وقد ركز الفصل الرابع على تلك السموم المؤثرة على البيئة , وهو ما يمكن الإشارة إلية فى عجالة:
- النفايات السامة المشبوهة, وهى تلك التى تعتبر من أخطر النفايات حتى تخصصت فى التخلص منها شركات كبيرة فى العالم الغربي ..وهى النفايات الإشعاعية.
- أنهار السموم..وهى تلك الأنهار التى تموت فيها الكائنات الحية, خصوصا أنها الدول الصناعية الكبرى والتى تلقى بمخلفات المصانع الكيماوية وغيرها فى النهار.
- الغازات السامة ..تلك التى استخدمت فى الحروب الحديثة, ولا تقل عن القنابل الذرية تأثيرا. بل هناك الآن معامل تجارب كبيرة لدراسة تأثيراتها الضارة على الحيوان وبالتالي على الإنسان فى حالة استخدامها.
- والآن أصبحت سموم الدايوكسين تجتاح بيئتنا, وتعد مادة الدايوكسين من الملوثات العضوية الضارة جدا بالصحة والبيئة , حتى أطلقوا عليها" مجموعة الاثنى عشر مكونا الأشد ضررا على البيئة", وهى تضم 419 مركبا كيماويا. وعموما الديوكسين هو المادة الناتجة عن احتراق المواد الكيماوية التى تحتوى على مادة الكلور مع المواد الكربوهيدرات بصورة غير مقصودة.
- ثم أخيرا اليورانيوم المستنفد, والذي يعد خطرا يتفاقم يوما بعد يوم نظرا لشيوع استخدام اليورانيوم للأغراض العلمية المختلفة.
ولا يسعنا إلا أن نطالب الدوريات الثقافية والعلمية العربية الى ضرورة التوجه نحو هذه القضية التى لم تعد قاصرة على الدول الصناعية الكبرى , حيث أنها باتت مشكلة حياتية على سطح كوكب الأرض.